الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الألوسي: {إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار}.استئناف لبيان كمال حسن حال المؤمنين العابدين له تعالى وإنه تعالى يتفضل عليهم بالنعيم الدائم إثر بيان غاية سوء حال الكفرة.وجملة {تَجْرِى} الخ صفة لجنات فإن أريد بها الأشجار المتكاثفة الساترة لما تحتها فجريان الأنهار من تحتها ظاهرة، وإن أريد بها الأرض فلابد من تقدير مضاف أي من تحت أشجارها وإن جعلت عبارة عن مجموع الأرض والأشجار فاعتبار التحتية بالنظر إلى الجزء الظاهر المصحح لإطلاق اسم الجنة على الكل كما في إرشاد العقل السليم.وقوله تعالى: {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} تعليل لما قبله وتقرير بطريق التحقيق أي هو تعالى يفعله البتة كل ما يريده من الأفعال المتقنة اللاثقة المبنية على الحكم الرائقة التي من جملتها إثابة من آمن به وصدق برسوله صلى الله عليه وسلم وعقاب من كفر به وكذب برسوله عليه الصلاة والسلام.{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخرةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}.{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله في الدنيا والآخرة} الضمير في {يَنصُرَهُ} لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما روى عن ابن عباس والكلبي ومقاتل والضحاك وقتادة وابن زيد والسدي واختاره الفراء والزجاج كأنه لما ذكر المجادل بالباطل وخذلانه في الدنيا لأنه يدلى بحجة ما ضرورية أو نظرية ضرورية أو نظرية أو سمعية ولما يؤل إليه أمره من النكال، وفي الآخرة بما هو أطم وأطم ثم ذكر سبحانه مشايعيه وعمم خسارهم في الدارين ذكر في مقابلهم المؤمنين وأتبعه ذكر المجادل عنهم وعن دين الله تعالى بالتي هي أحسن وهو رسوله عليه الصلاة والسلام، وبالغ في كونه منصورًا بما لا مزيد عليه، واختصر الكلام دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم العلم الذي لا يشتبه وأن الكلام فيه وله ومعه وأن ذكر غيره بتبعية ذكره، فالمعنى أنه تعالى ناصر لرسوله صلى الله عليه وسلم في الدنيا بإعلاء كلمته وإظهار دينه وفي الآخرة بإعلاء درجته وإدخال من صدقه جنات تجري من تحتها الأنهار والانتقام ممن كذبه وإذاقته عذاب الحريق لا يصرفه سبحانه عن ذلك صارف ولا يعطفه عنه عاطف فمن كان يغيظه ذلك من أعاديه وحساده ويظن أن لن يفعله تعالى بسبب مدافعته ببعض الأمور ومباشرة ما يرده من المكايد فليبالغ في استفراغ المجهود وليتجاوز في الجهد كل حد معهود فقصارى أمره خيبة مساعيه وعقم مقدماته ومباديه وبقاء ما يغيظ على حاله ودوام شجوه وبلباله، وقد وضع مقام هذا الجزاء.قوله سبحانه: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} الخ أي فليمدد حبلًا {إِلَى السماء} أي إلى سقف بيته كما أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} أي ليختنق كما فسره بذلك ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من قطع إذا اختنق كان أصله قطع نفسه بفتحتين أو أجله ثم ترك المفعول نسيًّا منسيًّا فصار بمعنى اختنق لازم خنق، وذكروا أن قطع النفس كناية عن الاختناق، وقيل المعنى ليقطع الحبل بعد الاختناق على أن المراد به فرض القطع وتقديره كما أن المراد بالنظر في قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} تقدير النظر وتصويره والا فبعد الاختناق لا يتأتى منه ذلك أي فليقدر في نفسه النظر هل يذهبن كيده غيظه أو الذي يغيظه من النصر، ويجوز أن يراد فلينظر الآن أنه إن فعل ذلك هل يذهب ما يغيظه، وجوز أن يكون المأمور بالنظر غير المأمور الأول ممن يصح منه النظر، وأن يكون الكلام خارجًا مخرج التهكم كما قيل إن تسمية فعله ذلك كيدًا خارجة هذا المخرج، وقال جمع: إن إطلاق الكيد على ذلك لشبهه به فإن الكائد إذا كاد أتى بغاية ما يقدر عليه وذلك الفعل غاية ما يقدر عليه ذلك العدو الحسود، ونقل عن ابن زيد أن المعنى فليمدد حبلًا إلى السماء المظلة وليصعد عليه ثم ليقطع الوحي عنه صلى الله عليه وسلم، وقيل: ليقطع المسافة حتى يبلغ عنان السماء فيجهد في دفع نصره عليه الصلاة والسلام النازل من جهتها.وتعقبه المولى أبو السعود بأنه يأباه مساق النظم الكريم بيان أن الأمور المفروضة على تقدير وقوعها وتحققها بمعزل من إذهاب ما يغيظ، ومن البين أن لا معنى لفرض وقوع الأمور الممتنعة وترتيب الأمر بالنظر عليه لاسيما قطع الوحي فإن فرض وقوعه مخل بالمرام قطعًا، ونوقش في ذلك بما لا يخفى على الناظر نعم المعنى السابق هو الأولى، وأيًّا كان فمن يظن ذلك هم الكفرة الحاسدون له صلى الله عليه وسلم، وقيل: أعراب من أسلم وغطفان تباطؤا عن الإسلام وقالوا: نخاف أن لا ينصر محمد عليه الصلاة والسلام فينقطع ما بيننا وبين حلفائنا من يهود فلا يقرونا ولا يؤونا، وقيل: قوم من المسلمين كانوا لشدة غيظهم من المشركين يستبطئون ما وعد الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من النصر؛ والمعنى عليه وكذا على سابقه إن قيل إن أولئك الإعراب كانوا يستبطئون النصر أيضًا من استبطا نصر الله تعالى وطلبه عاجلًا فليقتل نفسه لأن له وقتًا اقتضت الحكمة وقوعه فيه فلا يقع في غيره، وأنت تعلم بعد هذين القولين وإن ثانيهما أبعد.واستظهر أبوحيان كون ضمير ينصره عائدًا على من لأنه المذكور وحق الضمير أن يعود على مذكور، وهو قول مجاهد وإليه ذهب بعضهم وفسر النصر بالرزق، قال أبو عبيدة: وقف علينا سائل من بني بكر فقال: من ينصرني نصره الله تعالى وقالوا: أرض منصورة أي ممطورة، وقال الفقعسي:أي: معطيه وكأنه مستعار من النصر بمعنى العون.فالمعنى أن الارزاق بيد الله تعالى لا تنال إلا بمشيئته فلابد للعبد من الرضا بقسمته فمن ظن أن الله تعالى غير رازقه ولم يصبر ولم يستسلم فليبلغ غاية الجزع وهو الاختناق فإن ذلك لا يقلب القسمة ولا يرده مرزوقًا.والغرض الحث على الرضا بما قسم الله تعالى لا كمن يعبده على حرف وكأنه سبحانه لما ذكر المؤمنين عقيبهم على ما مر حذرهم عن مثل حالهم لطفًا في شأنهم ولا يخلو عن بعد وإن كان ربط الآية بما قبلها عليه قريبًا، وقيل: الضمير لمن والنصر على المتبادر منه والمعنى من كان يظن أن لن ينصره الله تعالى فيغتاظ لانتفاء نصره فليحتل بأعظم حيلة في نصر الله تعالى إياه وليستفرغ جهده في إيصال النصر إليه فلينظر هل يذهبن ذلك ما يغيظه من انتفاء النصر ولا يخفى ما في وجه الربط على هذا من الخفاء.ومن كما أشرنا إليه شرطية، وجوز أن تكون موصولة والفاء في خبرها لتضمنها معنى الشرط وهل يذهبن في محل نصب بينظر، وذكر أنه على إسقاط الخافض، وقرأ البصريون.وابن عامر وورش ثم ليقطع بكسر لام الأمر والباقون بسكونها على تشبيه ثم بالواو والفاء لأن الجميع عواطف.{وكذلك} أي مثل ذلك تلإنزال البديع المنطوي على الحكم البالغة {أنزلناه} أي القرآن الكريم كله {ءايات بَيّنَاتٍ} واضحات الدلالة على معانيها الرائقة فالمشار إليه الإنزال المذكور بعد اسم الإشارة، ويجوز أن يكون المراد إنزال الآيات السابقة.وأيًّا كان ففيه أن القرآن الكريم في جميع أبوابه كامل البيان لا في أمر البعث وحده.ونصب {ءايات} على الحال من الضمير المنصور، وقوله تعالى: {وَأَنَّ الله يَهْدِى مَن يُرِيدُ} بتقدير اللام وهو متعلق بمحذوف يقدر مؤخرًا إمفادة للحصر ازضافي أي ولأن الله تعالى يهدي به ابتداء أو يثبت على الهدي أو يزيد فيه من يريد هدايته أو ثباته أو زيادته فيها أنزله كذلك أو في تأويل مصدر مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي والأمر أن الله يهدي إلخ.وجوز أن يكون معطوفًا على محل مفعول {أنزلناه} أي وأنزلنا أن الله يهدي إلخ. اهـ. .قال ابن عاشور: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.هذا مقابل قوله: {ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق} [الحج: 9] وقوله: {خسر الدنيا والآخرة} [الحج: 11].فالجملة معترضة، وقد اقتصر على ذكر ما للمؤمنين من ثواب الآخرة دون ذكر حالهم في الدنيا لعدم أهمية ذلك لديهم ولا في نظر الدين.وجملة {إن الله يفعل ما يريد} تذييل للكلام المتقدم من قوله: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} [الحج: 8] إلى هنا، وهو اعتراض بين الجمل الملتئم منها الغرض.وفيها معنى التعليل الإجمالي لاختلاف أحوال الناس في الدنيا والآخرة.وفعْلُ الله ما يريد هو إيجاد أسباب أفعال العباد في سُنة نظام هذا العالم، وتبيينه الخير والشرّ، وترتيبه الثواب والعقاب، وذلك لا يحيط بتفاصيله إلا الله تعالى.{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخرةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ}.موقع هذه الآية غامض، ومُفادها كذلك.ولنبدأ ببيان موقعها ثم نتبعه ببيان معناها فإن بين موقعها ومعناها اتصالًا.فيحتمل أن يكون موقعها استئنافًا ابتدائيًّا أريد به ذكر فريق ثالث غير الفريقين المتقدمين في قوله تعالى: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} [الحج: 8] الآية، وقوله: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} [الحج: 11].وهذا الفريق الثالث جماعة أسلموا واستبطأوا نصْر المسلمين فأيسوا منه وغاظهم تعجُّلهم للدخول في الإسلام وأن لم يترىثوا في ذلك وهؤلاء هم المنافقون.ويحتمل أن يكون موقعها تذييلًا لقوله: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} [الحج: 11] الآية بعد أن اعتُرض بين تلك الجملة وبين هاته بجمل أخرى فيكون المراد: أن الفريق الذين يعبدون الله على حرف والمخبر عنهم بقوله: {خسر الدنيا والآخرة} [الحج: 11] هم قوم يظنون أن الله لا ينصرهم في الدنيا ولا في الآخرة إنْ بقُوا على الإسلام.فأما ظنهم انتفاء النصر في الدنيا فلأنهم قد أيسوا من النصر استبطاءً، وأما في الآخرة فلأنهم لا يؤمنون بالبعث ومن أجل هذا علق فعل {لن ينصره} بالمجرور بقوله: {في الدنيا والآخرة} إيماء إلى كونه متعلق الخسران في قوله: {خسر الدنيا والآخرة} [الحج: 11].فإن عدم النصر خسران في الدنيا بحصول ضده، وفي الآخرة باستحالة وقوع الجزاء في الآخرة حسب اعتقاد كفرهم، وهؤلاء مشركون مترددون.ويترجح هذا الاحتمالُ بتغيير أسلوب الكلام، فلم يعطف بالواو كما عطف قوله: {ومن الناس من يعبد الله} [الحج: 11] ولم تورد فيه جملة {ومن الناس} كما أوردت في ذكر الفريقين السابقين ويكون المقصود من الآية تهديد هذا الفريق.فيكون التعبير عن هذا الفريق بقوله: {من كان يظن} الخ إظهارًا في مقام الإضمار؛ فإن مقتضى الظاهر أن يؤتَى بضمير ذلك الفريق فيقال بعد قوله: {إن الله يفعل ما يريد} [الحج: 14]، {فليمدد بسبب إلى السماء}... إلخ.عائدًا الضميرُ المستتر في قوله: {فليمدد} على {مَن يعبد الله على حرف} [الحج: 11].والعدول عن الإضمار إلى الإظهار لوجهين، أحدهما: بُعد معاد الضمير، وثانيهما: التنبيه على أنّ عبادته الله على حرف ناشيءة عن ظنه أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة إن صمم على الاستمرار في اتباع الإسلام لأنه غير واثق بوعد النصر للمسلمين.وضمير النصب في {ينصره} عائد إلى {من يعبد الله على حرف} [الحج: 11] على كلا الاحتمالين.واسم {السماء} مرادٌ به المعنى المشهور على كلا الاحتمالين أيضًا أخذًا بما رواه القرطبي عن ابن زيد يعني عبد الرحمان بن زيد بن أسلم أنه قال في قوله تعالى: {فليمدد بسبب إلى السماء} قال: هي السماء المعروفة، يعني المُظِلة.فالمعنى: فليَنُط حبلًا بالسماء مربوطًا به ثم يقطعه فيسقط من السماء فيتمزق كل ممزق فلا يغني عنه فعله شيئًا من إزالة غيظه.ومفعول {يقطع} محذوف لدلالة المقام عليه.والتقدير: ثم ليقطعه، أي ليقطع السبب.والأمر في قوله: {فليمدد بسبب إلى السماء} للتعجيز، فيعلم أن تعليق الجواب على حصول شرطٍ لا يقع كقوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا} [الرحمن: 33].وأما استخراج معنى الآية من نظمها فإنها نُسجت على إيجاز بديع، شُبهت حالة استبطان هذا الفريق الكفر وإظهارِهم الإسلام على حنَق، أو حالةُ تردّدهم بين البقاء في المسلمين وبين الرجوع إلى الكفار بحالة المغتاظ مما صنع فقيل لهم: عليكم أن تفعلوا ما يفعله أمثالكم ممن ملأهم الغيظ وضاقت عليهم سُبل الانفراج، فامدُدوا حبلًا بأقصى ما يُمَدّ إليه حبلٌ، وتعلّقوا به في أعلى مكان ثم قطعوه تخرّوا إلى الأرض، وذلك تهكم بهم في أنهم لا يجدون غنى في شيء من أفعالهم، وإنذار باستمرار فتنتهم في الدنيا مع الخسران في الآخرة.ويحتمل أن تكون الآية مشيرة إلى فريق آخر أسلموا في مدة ضعف الإسلام واستبطأوا النصر فضاقت صدورهم فخطرت لهم خواطر شيطانية أن يتركوا الإسلام ويرجعوا إلى الكفر فزجرهم الله وهددهم بأنهم إن كانوا آيسين من النصر في الدنيا ومُرتابين في نَيل ثواب الآخرة فإن ارتدادهم عن الإسلام لا يضرّ الله ولا رسوله ولا يكيد الدينَ وإن شاءوا فليختنقوا فينظروا هل يزيل الاختناق غيظهم، ولعلّ هؤلاء من المنافقين.فموقع الآية على هذا الوجه موقع الاستئناف الابتدائي لذكر فريق آخر يشبه من يعبد الله على حرف، والمناسبة ظاهرة.ويجيء على هذا الوجه أن يكون ضمير {ينصره الله} عائدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا مروي عن ابن عباس واختاره الفرّاء والزجاج.ويستتبع ذلك في كل الوجوه تعريضًا بالتنبيه لخلص المؤمنين أن لا ييأسوا من نصر الله في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط.قال تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين} [الأحزاب: 23-24] الآية.والسبب: الحبل.وتقدم في قوله: {وتقطعت بهم الأسباب} في [سورة البقرة: 166].والقطع: قيل يطلق على الاختناق لأنه يقطع الأنفاس.و مَا مصدرية، أي غيظَهُ.والاستفهام بـ {هل} إنكاري، وهو معلق فعلَ {فلينظر} عن العمل، والنظر قلبي، وسمي الفعلُ كيدًا لأنه يشبه الكيد في أنه فعله لأن يكيد المسلمين على وجه الاستعارة التهكمية فإنه لا يكيد به المسلمين بل يضر به نفسه.وقرأ الجمهور {ثم لْيَقطع} بسكون لام ليقطع وهو لام الأمر.فإذا كان في أول الكلمة كان مكسورًا، وإذا وقع بعد عاطف غير ثُمّ كان ساكنًا مثل {ولْتَكُنْ منكم أمّة} [آل عمران: 104].فإذا وقع بعد ثُم جاز فيه الوجهان.وقرأه ابن عامر، وأبو عمرو وورش عن نافع، وأبو جعفر ورويس عن يعقوب بكسر اللام.{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)}.لما تضمنت هذه الآيات تبيين أحوال الناس تجاه دعوة الإسلام بما لا يبقى بعده التباس عقبت بالتنويه بتبيينها، بأن شُبه ذلك التبيينُ بنفسه كناية عن بلوغه الغاية في جنسه بحيث لا يلحق بأوضح منه، أي مثلَ هذا الإنزال أنزلنا القران آيات بيّنات.فالجملة معطوفة على الجُمل التي قبلها عطف غرض على غرض.والمناسبة ظاهرة، فهي استئناف ابتدائي.وعطف على التنويه تعليل إنزاله كذلك بأن الله يهدي من يريد هديه أي بالقران.فلام التعليل محذوفة، وحذف حرف الجر مع أن مطّرد. اهـ.
|